اصلب ترابك قصيدة الشاعر بسام الإسبر

 (إصلب تُرابَك )


إخفِضْ جناحَكَ لو رعاكَ مَقامُ 

واذكر بأنّكَ في الأساسِ رَغامُ 


ما أنتَ فيه على الزمانِ مُخَلِّدٌ 

ستدورُ دورتَها بكَ الأيّامُ 


وسَلِ الورى عمّا أصابَ ملوكَهُمْ

هل دامَ حكممُ عروشهِمْ أو داموا ؟!


إن أسلَفَتكَ يدُ الحياةِ مَطيّةً 

فاحرِصْ بِكَفّكَ أن يكونَ لِجامُ 


واجعلْ من الخُلُقِ الكريمِ سَجيَّةً 

تنداحُ دونَ مَساسِها الآثامُ 


رأسُ الفضائلِ للحكيمِ تواضعٌ 

إنّ التواضعَ مذهَبٌ و إمامُ 


لا تزدرِ البسطاءَ في أحوالِهِمْ 

فَلَعلّهُمْ عندَ المليكِ كِرامُ 


خَلَقَ الجميعَ كَمِثلِ صورَتِهِ التي 

فيها تناظَرَ في المِثالِ أنامُ 


فإذا تَشَرَّبَتِ النفوسُ مِثالَها 

لاذَتْ بِحصنِ كَمالِها الأفهامُ 


لكِنَّما وهمُ الأنا مُتَضَخِّمٌ 

عندَ الغبيِّ ويعتريهِ فِصامُ 


والعقلُ ينضجُ لو تَبَصَّرَ ذاكِراً 

أنَّ الوجودَ الآدميَّ حُطامُ 


والمرءُ نسبيُّ الوجودِ مُفارِقٌ 

من ذا الذي لم تُبلِهِ الأعوامُ ؟!


فالقَيلُ موعوظٌ بِقَيلٍ قد قَضَى 

وكَذاكَ قد وَعَظَ الكَميَّ هُمامُ 


يُغريكَ مجدُكَ والفتوّةُ والغِنى 

ماذا تقولُ إذا عَراكَ سُقامُ ؟!


والدهرُ يختَرِمُ الشبابَ ورَوقَهُ 

وتخورُ فيكَ مَفاصِلٌ وعِظامُ 


في سِكّةِ الهَرَمِ الرهيبِ مُسافِرٌ 

ما طالَ عُمرُكَ يلتَقيكَ حِمامُ 


هوّن عليكَ فللحياةِ مَنافِذٌ 

تَهَبُ الرجاءَ ويستَتِبُّ سلامُ 


نحنُ التُرابُ كَمُجتَبينَ جسومَنا 

ما للجسومِ مع الخلودِ وِئامُ 


والروحُ مَسكَنُهُ الجسومَ لِعِلَّةٍ 

منذ البَدَاءَةِ بثَّهُ العلّامُ 


نَفَسٌ من الربِّ القديرِ مُنَسَّمٌ 

فينا لذلكَ تخلدُ الأنسامُ 


بُعدانِ للإنسانِ يكتَنِفانهُ 

ولكُلِّ بُعْدٍ شُرعَةٌ ونِظامُ 


والموتُ يحصلُ بافتِراقِ كِلاهما 

الوعيُ يصعدُ والغُضارُ ينامُ 


قد شبّهَ الجَسَدَ الضعيفَ بِخَيمَةٍ 

حِبرٍُ الكِرازَةِ بولُسَ المِقدامُ 


إن كنتَ من أرَبِ التُرابِ ومجدِهِ 

مجدُ التُرابِ كما ترى أوهامُ 


أو كنتَ من أرَبِ السماءِ فربّما 

بَلَغَتْ مواطِنَ شوقِها الأحلامُ 


باللّانِهايَةِ من أناطَ مَصيرَهُ 

صَغُرَتْ بعينِ طموحِهِ الأرقامُ 


ينحازُ للأبَدِ المجيدِ وجودُهُ ال 

واعي ولن تتمكّنَ الأجسامُ 


فاصلِبْ تُرابَكَ كالمسيحِ فإنّهُ 

لِخَلاصِنا عَصَفَتْ به الآلامُ 


صَلَبَ الذي للموتِ عُدَّ مُرَوحِناً 

فأتاهُ من كَنَفِ الحياةِ قِيامُ 


بالموتِ قد وَلَدَ الجميعَ خَليقَةً 

روحيّةً يصفو بها الإلهامُ 


ياصاحبَ الآبادِ كيف تَمَكّنَتْ 

للناسِ مِنكَ مَحَبّةٌ وغَرامُ ؟!


وهُمُ العُصاةُ ولا تزالُ قلوبُهُمْ 

مَسعورَةً تلهو بها الأصنامُ 


تطفو الرذيلَةُ والشذوذُ وينجلي 

طَمَعُ النفوسِ ويكثُرُ الإجرامُ 


فاغفِرْ لَجَاجَةَ من يُحاوِلُ وَعيُهُ 

سَبْرَ الأمورِ وما أظنُّ يُلامُ 


عُذراً إلهيَ للألوهَةِ رأيُها 

ولها لدى فصلِ الخطابِ كلامُ 


ولها بِتَفدِيَةِ الحياة وخَلقِها 

هَدَفٌ يُجاوِزُ ما نرى ومَرامُ 


من كان يمتَلِكُ الضوابِطَ كلّها 

حارَتْ بِطولِ أناتِهِ الأقلامُ!!!


بقلمي:  بسام الإسبر     


4/4/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وحي وهدى قصيدة الشاعر احمد زكي سعادة

اه عراق قصيدة الشاعر عبد الله سكرية

اخال العمر قصير قصيدة الشاعر عبد العزيز ابو خليل